حقوق الانسان عند الفراعنة

حقوق الإنسان عند الفراعنة
=================
مرت الحضارة المصرية القديمة بأطوار عديده مثلت الأحقاب التي حكمت فيها الاسر الفرعونية القديمة بالإضافة الى احوال المصريين في ظل حكومات اجنبية تتابعت على ارض مصر القديمة حتى مجئ الاسلام .
ويمكن تقسيم الأطوار التي مرت بها مصر على النحو الآتي :
1-عهد الفراعنة :- مر هذا العهد بمراحل ثلاث :
 الاولى : هي مرحلة الدولة الفرعونية القديمة ، والثانية : تسمى مرحلة الدولة الفرعونية الوسطى ، والثالثة : هي مرحلة الدولة الفرعونية الحديثة .
ابتدأت الدولة الفرعونية القديمة بحكم الاسرتين الفرعونيتين الاولى والثانية ، سنة 3200 ق .م ، اذ استطاع " مينا " أن يؤسس أول أسرة حاكمة في تاريخ مصر الفرعونية ، و قد أراد مينا أن يؤمن وحدة البلاد فأقام مدينة قرب رأس الدلتا سميت فيما بعد بإسم ممفيس .
وكان نظام الحكم قائما على أُلوهية الملك ، أي ان الملك هو الاله ، وهو وجب الطاعة ولا لاحد من عامة الشعب او خاصته يمتلك الارادة التي تكون دون ارادة الملك الاله ، ولنا ان نتخيل هل من حقوق على المستوى الانساني تنتزع من سلطة مطلقة تحكم  وفق الحق الالهي .
لقد تميزت حكومة الملك الفرعون بأنها ضمنت حق العبودية من قبل جميع طبقات المجتمع المصري للملك الذي نصب نفسه إلها وفي ذات الوقت لم تعطي اؤلئك العبيد النصيب الاكبر من الحقوق فعلى صعيد الملكية الفردية ، كانت الأرض ملكاً للفرعون ولا يحق لاحد ان تكون له ملكية خاصة الا بموافقة الفرعون على ان الملكية لن تتضمن حق التصرف فما زال الفرعون هو المالك الشرعي للارض ومن عليها  ولم يخرج الكهان ومعابدهم عن ملكية الفرعون ، بل كان العديد من الفراعنة من كبار الكهان الذين مهدوا لقيام فكرة الوهية البشر ، ولعل اواصر العقيدة عند المصريين قد شجعت على قبول الفكرة والعمل على تحقيقها ، فقد اشتركت حاجة النفس الى العبادة على تمكن الكهان من الاستحواذ على عقول المصريين وقلوبهم واموالهم ، وانفسهم ايضا .

اما على صعيد الحق في التعلم فلم يكن من حق غير الكهان والاسرة الفرعونية بتناول اشرف العلوم المصرية وهو السحر وعلم الكيمياء وبعض العلوم التطبيقية كالطب والهندسة ...
لقد تفاضل الناس في ذلك الوقت بمقدار قربهم من الفرعون ، وهذا القرب محكوم بالاخلاص في العبودية ، فاخلص الناس للفرعون ما زال ينتقل بين الطبقات الاجتماعية المصرية حتى يصل الى المقربين الذين يعتمد عليهم في تسيير امور الدولة والحكم .

وقد كان المصريون محكومون بطبقات اجتماعية ، افضلها الفراعنة والكهان ومن ثم طبقة الاشراف وتليها طبقة العامة ثم العبيد ، 

** وابتدأت الدولة الفرعونية الوسطى حوالي سنة 2200 ق. م. حين انفلت زمام الحكم من يد فراعنة الاسرة السادسة ، حتى استطاع  " منتوحتب الثاني"  توحيد البلاد مرة ثانية ويمثل الاسرة السابعة .
 اذ تمكن"  منتوحتب الثاني " أمير طيبة حوالي سنة 2065 ق . م من إعادة توحيد البلاد وقام بتأسيس حكومة قوية ، وفي حقبة الدولة الفرعونية الوسطى برز الى الواقع فكرا جديدا اتجه نحو الاصلاح وتنصل عن فكرة الوهية الملوك " الفراعنة " فقد كان"إخناتون" أول ملك فى تاريخ الإنسانية نادى بوحدانية الله خالق كل شئ ، وظهرت بوادر عهد جديد يتجه نحو التوحيد ومحاولة تقنين سلطة المعبد والكهان ، فظهر الملك الذي يقيم العدل بين الناس ويخفف من وطأة التقسيم الطبقي بين المصريين .
 وقام هذا الإتجاه ايضا بتحقيق المساواة بين ابناء المجتمع كما تنازل عن فكرة ملك ارض مصر بمن عليها من قبل الفرعون ، وهنا شهدت الحقوق المدنية تطورا في التطبيق يتميز بكونه ايجابياً ، فحرية العقيدة قد كفلت ، فالذي يعبد الفراعنة له ذلك والذي يعبد الاله الواحد ايضا له ذلك ، على ان يكون الحكم للاسرة الفرعونية حصرا فالملك وحده وليس بمعية الكاهن من يتخذ القرارات الهامة ويمارس الحكم بين الناس .

** اما المرأة فقد تمتعت بشخصية قانونية كاملة ابتدأت بالاسرة الفرعونية فقد حكمت النساء الدولة لفتره من الزمن ، ومن أشـهـر ملـكات هذه الأسرة عـلى سبـيـل المـثـال المـلـكـة " اياح حتب" زوجـــة الـــمــلك " سقنن رع" ، والـــمــلــكــة " أحمس نفرتارى " زوجة أحمس الأول ، والملكة " تى" بنت الشعب وزوجة امنحوتب الثالث وأم إخناتون ، والملكة " نفرتيتى" زوجة " إخناتون" والملكة العظيمة "حتشبسوت" التي حكمت مصر قرابة عشرين عاما وبلغت مصر فى عهدها أعلى قمة فى الحضارة والعمارة والتجارة الدولية .

** ويبدأ عهد الدولة الفرعونية الحديثة  بعد أن طرد "احمس" الملك الثائر الهكسوس سنة 1571 ق . م.  وتم له الامر بعد ان قضى على ثورات النوبيين جنوباً واتجه الى الاصلاح الداخلى فى البلاد واهتم بإنشاء جيش كامل منظم وسلحه بكل الأسلحة المعروفة فى ذلك الوقت وزوده بالعجلات الحربية، ويُعد رمسيس الثانى من أشهر ملوك هذه الدولة وقد امتاز بالقوة والبطش ،ولعل ملوك مصر في عهد الدولة الفرعونية الحديثة قد امتازوا جميعاً بالقوة والاستخدام المفرط للقوة العسكرية الضاربة في حل جميع مشكلات الحكم بما في ذلك الادارة المدنية للبلاد ، مما تسبب هذا الاتجاه بان يعود نظام الحكم الى سيرته الاولى ايام الدولة الفرعونية القديمة ، فظهرت فكرة الوهية الفراعنة من جديد في عهد رمسيس الرابع ، اذ نصب هذا الفرعون نفسه الها واعانه على ذلك الكهان ، وكان كبيرهم " هامان " الذي اصبح فيما بعد الوزير المتصرف بشؤون الامبراطورية الفرعونية .
وقد حكم الفرعون مصر على اساس انه الاله المشرع للقوانين وهو في ذات الوقت المنفذ لها ، وتحكي لنا احداث قصة نبي الله موسى " عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام " كيف ان كلمة فرعون هي الفصل الذي لا جدال معه ، فبمجرد ان نقل نفسه الى الالوهية اصبح واجب الطاعة من قبل عبيده المصريين .

2-عهد الهكسوس :
كانت تسكن في فلسطين وشمال الجزيرة العربية والتي أطلق عليها أسم "الهكسوس" خلال عصر الأسرة الثانية عشرة  حوالي سنة 1725 ق . م. قامت القبائل الرعوية التي بالإغارة على مصر واجتياح اراضيها وقد تم لهم الامر .
 اذ استطاعوا حكم مصر لمائة وخمسين من السنين ، وامتاز حكم الهكسوس بانه لم يعط المصريين الحرية الكاملة في مجال الحكم او اعتلاء المناصب العليا في الحكومة في ذلك الوقت ، لكنه في المقابل ضمن لهم بعض الحقوق من مثل حرية العقيدة والعمل ، وجملة كبيرة من الحقوق الشخصية ، لكن لم يتحرر الشعب المصري من ضغط المعبد والكهان .

وفي نهاية حكم الهكسوس تعرض المصريون الى اضطهاد الهكسوس وتترجح الظنون ان ثمة افتراق عقائدي قد تسبب بذلك الاضطهاد الذي انتج ثورة الفلاحين المصريين وتكلل بطرد الهكسوس من ارض مصر وقيام الدولة الفرعونية الحديثة .

3-عهد اليونان البطالمة :- ابتدأت هذه الحقبة بدخول الاسكندر المقدوني مصر عام 333 ق . م . ويزعم كثير من أهل الأنساب الإسكندر هو بن فيلفوس، وقيل فيلبوس بن مطريوس، وقيل: ابن مصريم بن هرمس بن هردس بن ميطون بن رومي بن ليطي بن يونان بن يافث بن ثوبة بن سرحون بن روميط بن زنط بن توقيل بن رومي بن الأصفر بن اليفز بن العيص بن اسحاق بن ابراهيم.
وهنا يعد الاسكندر هو عينه الذي وصفه الله تعالى بذا القرنين ،
وقد وصفته المصادر التاريخية بذات الوصف ، وعلى كل حال فان الرجل قد فتح مجمل حضارات العالم القديم .
وتميز حكمه بانه عسكري لكنه عادل الى حد كبير والدليل على ذلك قد اتى في كتب التاريخ ، اذ قال ابن الاثير في الكامل ما نصه :" ثم سار منها الى الصين، فلمّا وصل إليها أتاه حاجبه في الليل وقال: هذا رسول ملك الصين، فأحضره فسلّم وطلب الخلوة، ففّتّشوه فلم يروا معه شيئاً، فخرج من كان عند الإسكندر، فقال: أنا ملك الصين جئت أسألك عن الذي تريده، فإن كان مما يمكن عمله عملته وتركت الحرب، فقال له الاسكندر: ما الذي آمنك مني؟ قال: علمت أنك عاقل حكيم ..." .
ولمّا مات الإسكندر أطاف به من معه من الحكماء اليونانيين والفرس والهند وغيرهم، فقد كان يجمعهم ويستريح إلى كلامهم، فوقفوا على جنازته وشيعوه الى مثواه في الاسكندرية ..
لقد حكم اليونان البطالمة بعد الاسكندر مصر بان جعلوها احدى الاقاليم التابعة الى بلاد الاغريق ، وبذلك حرموا المصريين من مجمل الحقوق السياسية ، اما الحقوق الاجتماعية وحرية الرأي والعقيدة فقد منحها الاغريق بشكل كامل الى الشعب المصري ، في حين حرموهم حق الملكية ، اذ اشتهر ان الارض بمن عليها تكون ملكا للسيد النبيل الاغريقي .
وبذلك بنيت التركيبة الاجتماعية في مصر على وجود طبقة الاشراف التي كانت تتألف من مجمل النبلاء ملاك الاراضي الزراعية ، وجلهم كان من الاغريقيين ، اما الطبقة الاخرى فكانوا الفلاحين ، واصحاب المهن من المصريين ، في حين تحددت الطبقة الاخيرة بالعبيد ، سواء اكانوا عبيدا للاغريق ام للمتنفذين من طبقة العامة المصريين .
والسمة البارزة ان مصرتعد من اهم مصادر انتاج العبيد عند الاغريق وقد حكمت مصر من خلال حاكم اغريقي وعلى وفق السيطرة العسكرية المباشرة ، لكنهم لم يحرموا الفرد المصري من حقوقه الاساسية ، فقد ضمن تلك الحقوق القانون الاغريقي الذي كان مفعوله يسري على الاغريقي والمصري على حد سواء ، ومن هنا نشأت مؤسسات علمية كان من ابرزها مكتبة الاسكندرية التي لم يقتصر روادها على الاغريق بل كان من المصريين من يرتاد اليها ايضا
، واستمرت مصر مرتبطة بالبطالمة على الرغم من الثورات الفلاحية المتلاحقة حتى عام (31 ق. م.) عندما انهارت الامبراطورية الاغريقية امام الرومان .

4-عهد الرومان :- خضعت مصر لحكم الرومان عام 31 ق. م. ولم يكن اتحاد الدين بين الرومان والاقباط ليثني الروم عن حكم مصر على وفق النسق الذي حكمه به الاغريق من قبل ، فاصبح الرومان هم سادة المجتمع ويمثلون طبقة النبلاء ، ملاك الاراضي بمن عليها ، اما الطبقة الاخرى فهي عامة الناس من المصريين ، والطبقة الاخيرة هم العبيد من المصريين او الاجانب .
وكانت حقوق الاقباط معترف بها عند الرومان على نحو نسبي فالحاكم الروماني الذي يحترم القانون ويتميز بشخصية سمحة يحقق للمصريين حقوقهم دون  اجحاف ، وربما اتت ازمان حكم فيها مصر جملة من الحكام الذين تميزوا بالشراسة ، وعندئذ لا ترقى حقوق الانسان الى اكثر من تلك الحقوق التي كان المصريون متمتعين بها في عهد الاغريق والفراعنة من قبل ..
وسقوط مصر تحت الحكم الروماني لم يثني عزائم الرومان من الاستحواذ على خيرات مصر وسوق اشدائها عبيدا ، واقصاء اسيادها باستبدالهم بالاسياد من الرومان ، وقد دامت امور المصريين بقبضة الروم حتى مجئ الاسلام وفتح بلاد مصر ودخول المصريين في الدين الاسلامي الحنيف .

محمود البيومى


Comments

Popular posts from this blog

السياحة المستدامه. والتعاون الدولي

مملكة أطلنتس. والسياحه